مونديال الاحتشام والعري التام.
أقولها ولا أمشي
عز الدين ميهوبي
عندما دخلت مكتب الحاج محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم وجدته محاطا بعدد من شيوخ الكرة في الجزائر، من الرعيل الأول الذي قاد منتخب جبهة التحرير الوطني في معركة الدفاع عن الوطن. كان هؤلاء جالسين في مكتب الرئيس وقد اشتعلت رؤوسهم شيبا، وعبث الزمن في تقاسيم وجوههم ، وانتشرت التجاعيد، وغارت العيون، لكن حديث الكرة لم يسقط من الذاكرة، فكانوا يستعيدون قصص اللاعبين الذين غابوا عنهم ورحلوا إلى دار الحق، ويتذكرون تفاصيل دقيقة عن أحداث مرت بهم في ملاعب مختلفة من العالم. وكنت أستمع إلى حديثهم وأستمتع بالطريقة التي يروون بها تلك القصص الطريفة. أما سبب وجود هؤلاء الدوليين التاريخيين، فلأن روراوة قام بتكريمهم جميعا، إلى جانب المدربين واللاعبين الدوليين السابقين للمنتخب، وشخصيات رياضية أخرى، ربما يصل عددهم إلى خمسمائة، على حساب الاتحاد للانتقال إلى المونديال بجنوب إفريقيا، ومؤازرة محاربي الصحراء.. كنوع من العرفان والوفاء لمن خدموا الكرة الجزائرية منذ أيام الثورة إلى اليوم.. أي على امتداد ستين عاما.
كان اللاعبون القدامى، معوش والإخوة سوخان يدعون للحاج روراوة بالصحة وطول العمر، لأنه منحهم فرصة حضور مونديال طالما تمنوا حضوره، هم الذين جعلوا أنفسهم في خدمة قضية شعبهم، رغم أنهم في تلك الفترة كانوا محترفين في ملاعب أوروبا، والكل يجري وراءهم، بينهما هم كانوا يجرون وراء حرية شعبهم.. هذا موقف عشته في مكتب روراوة منذ يومين، وكانت سعادته أكبر من سعادة هؤلاء الشيوخ، الذين لم يمنعهم تقدم السن والمرض من حزم أمتعتهم للتهيؤ لرحلة العمر في بلاد الشيخ مانديلا. وقبل أن يغادروا المكتب، قلت لهم "لا تنسوا أن تأخذوا معكم ما ثقل من اللباس، لأن البرد قارس في تلك البلاد" فنظروا إلى بعضهم البعض مستغربين، وكأنني كنت أمازحهم، فأكد لهم آخرون كانوا في تلك الجلسة أن الأمر جاد، فقال أحدهم "سأتأكد من ذلك في الأنترنت هذا المساء..".
هذا ما كان من أمر قدامى منتخب الجزائر والمونديال، أما أهل الأرجنتين فقد أفاقوا على تصريحين غريبين، أقل ما يقال عنهما أنهما ضرب من الجنون والخبل,, فمارادونا لم يجد أفضل ما يكافئ به جماهير بلده إذا ما عاد متوجا بالكأس سوى المشي عاريا كما ولدته أمه في شوارع بيونس أيرس.. والموقف ذاته صدر عن خطيبة النجم الأرجنتيني ميسي، وهي عارضة أزياء، التي قالت إنها مستعدة للكشف عن مفاتنها أمام عدسات الكاميرا من غير هدوم (..) ولم يفهم الناس سبب هذا التنطع والتحدي اللاأخلاقي، الذي يصدر عن نجم كبير له مكانة في خارطة العالم الكروية، ونجمة ارتبط اسمها بأفضل لاعب في العالم، فهل العري يعني أعظم مكافأة تقدم للجماهير؟ أم أنه الشعور المسبق بأن الوصول إلى الكأس من قبيل المستحيل، وأن أمل مارادونا في نيل اللقب العالمي لا يختلف عن أمل إبليس في دخول الجنة.
وقد تزامن هذا التصريح مع حركة شهدتها قناة الجزيرة تقضي بضرورة احتشام الصحافيات المقدمات للأخبار والبرامج، اللواتي رأى بعض المسؤولين في الشبكة أنهن فاتنات فوق اللزوم، وربما في هذا إيحاء للنقاش الدائر في بعض بلدان أوروبا حول البرقع والججاب والنقاب والجلباب.. فالمسألة إذن تبدأ من تغطية كل الأعضاء في باريس وبروكسل إلى الكشف عن كل شيء في شوارع بيونس أيرس، وبين دعاة الاحتشام الجزئي والكلي والعري التام، يتابع عشاق الجلد المنفوخ أخبار العيادات التي أقصت من المونديال نخبة من اللاعبين الذين كان يمكن أن يعطوا مونديال إفريقيا نكهة في عصر الصورة ثلاثية الأبعاد.. فالجزائريون اهتزوا لغياب مراد مغني اللاعب الفنان الذي أبان عن مهارات الكبار في المباريات القليلة التي لعبها للخضر، لكنهم بالمقابل وجدوا في النجم الواعد رياض بودبوز خير عزاء لهم.. أما الإنجليز فلم يتأثروا لإبعاد المهاجمين والكوت وبينيت من منتخب بلادهم، قدر شعورهم بالخيبة لإصابة ديفيد بيكهام الذي كانت إصابة عابرة في الدوري الإيطالي كفيلة بأن تجعله خارج سرب كابيللو الراغب في العودة بالكأس بعد أن افتقدها الإنجليز منذ العام 1966.. وكالصاعقة التي ضربت منتخب ألمانيا، تعرض النجم بالاك لإصابة الكاحل، وبالتالي سيجلس إلى جانب مغني وبيكام في مدرجات المونديال، على أن ينضم إليهما ديارا الذي لم يفهم الفرنسيون سبب تعرضه لإسهال حاد لا يمكنه من إكمال مباراة دون الاستعانة بدورة مياه قريبة من المستطيل الأخضر (..) وكذا إيسيان الذي غاب في النسيان، شد حيله للتعافي من الإصابة، لكن لم تنفع الأدوية والعقاقير، ليلعب برازيليو إفريقيا دون نجمهم الكبير.. والحال نفسها بالنسبة لكل المنتخبات المشاركة التي إن لم تخسر لاعبيها بإصابات عشية الموعد العالمي، خسرتهم بقرارات نهائية للمدربين الذين لم يروا في مشاركة بن زيمة وناصري ورونالدينيو وآخرين سببا لنجاح المونديال أو ربما حتى نيلهم للسيدة الكأس.. وكثيرا ما تقع الفأس في الرأس عندما يختلط الغرور باليأس.
ومن دون شك فإن دعاة الحشمة سيرفعون أيديهم بالدعاء ليخرج مارادونا في الدور الأول ولا يشاهدوه عاريا، وهو من الطينة التي إن قالت فعلت، وأما دعاة التحرر من كل شيء حتى ورقة التوت، سيقفون مع مارادونا مؤازرين له حتى يحرز الكأس ويخرج على الناس دون لباس..